جولة !

المشي رياضة مفيدة جداً ، و أنا من أكبر أنصار مدرسة المشّائين لما في المشي من فوائد جمة و منافع فذة ، فهو يساعد على تنشيط الدورة الدموية و يقوي جهاز المناعة في الجسم و يمنحك شعوراً بالاسترخاء و الراحة النفسية ، بالإضافة إلى إراحة ميزانيتي (الآيلة للسقوط) من مصاريف المواصلات.

 

و تطبيقاً لمقولة ” اتعشى و اتمشى” ، فإني أقوم يومياً بعد الغداء بسبع ساعات و نصف ( سياسة التقشف لا تسمح بأكثر من وجبة واحدة في اليوم ) بعمل جولة على الأقدام في شوارع و أسواق المدينة ، أتفقد فيها المحلات و أشاهد ما عندهم من معروضات ( هذا طبعاً إذا سمح لي بالدخول).

 

في جولةٍ من جولاتي الاثنين و الأربعينية (مقاس حذائي) مررت بمحل للتحف الفنية القديمة ، و بصفتي من مقتني الكثير من الخردة القديمة… آسف التحف القديمة قررت الدخول.

 

ما أن دخلت حتى حف مدير المحل نفسه لاستقبالي و على وجهه ابتسامة كبيرة (ذكرتني بدعايات معجون الأسنان) فألقيت عليه السلام ، و لكن ما أن تفحصني بنظرة تشبه نظرته لصرصور اكتشف نظافة جيوبي ، فماتت الابتسامة و اختفت الحفاوة و فال لي بصوت أجش ممنوع اللمس ، ثم رجع إلى مكتبه دون أن يكلف نفسه عناء الرد على سلامي ( الحمد لله مناعتنا قوية جداً ضد الاستقبالات الباردة ) ، تناسيت ما حصل و بدأت أتجول في المحل متفقداً المعروضات و متدفأً بأسعارها اللاهبة… حرررررررررر .

 

سمعت صوت صرير عجلات أمام المحل فنظرت لأجد سيارة بورش برتقالية اللون ( الناس أذواق ) نزل منها بطن يجر وراءه جسم إنسان ، استغربت كيف استطاع أن يحشر نفسه و ما عليه من زوائد في تلك السيارة الصغيرة ، المهم دخل الرجل المحل فطار المدير لاستقباله و الترحاب به بأجمل العبارات و أفضل الكلمات (جزمت بعدها بأن الرجل يعمل في شركة الكهرباء لأن المدير قال له : ” انت اللي نورت المحل”) .

 

كنت في زاوية من المحل تمكنني من رؤية و سماع الرجلين من غير أن يرياني أو ينتبها لوجودي ، سأل الرجل المدير فيما إذا كان استطاع الحصول على ما طلبه منه ، فقال له المدير : لقد حصلت على مبتغاك ، تحفة فريدة من نوعها لن تجد لها مثيلاً عند أي شخص آخر ، تستطيع أن تفاخر بها أمام أعظم المتاحف العالمية ، ثم نادى بأعلى صوته : يا حسين أحضر التحفة الجديدة ، خرج حسين من المخزن حاملاً معه آنية خزفية لا لون لها و لا رائحة ( عصير برتقال مب تحفة) و أعطاها لمدير المحل الذي أخذ يشرح للزبون عنها ، إن هذا الإناء لا يقدر بثمن فهو يرجع إلى عهد أسرة منج الحاكمة في الصين و قد صنعها المعلم شنغ يان فو ( عاشت الأسامي ) بناءاً على طلب من الإمبراطور نفسه لكي يكون هدية زواج لابنته ، و أثناء شرحه امتدت يده بحركة سريعة إلى الإناء و نزع شيئاً ما لم استطع أن أعرف ما هو و لا أعتقد أن الزبون لاحظ هذه الحركة لسرعتها.

 

المفاوضات حول السعر لم تستمر كثيراً ، و دفع صاحبنا مبلغاً يعادل راتبي لستة و ثمانين سنة و أربعة أشهر و خمسة أيام (شعاري الدقة دائماً و أبداً ) و أخذ الإناء ، بعد مغادرة الزبون نادى المدير حسين مرة أخرى ، و ما أن وصل حتى عاجله بصفعة ذكرتني بصفعات الوالد ( أطال الله في عمره) و قال له : أيها الأحمق ألم أقل لك ألف مرة أن تزيل ملصق “صنع في الهند ” من على البضائع قبل أن تحضرها للعملاء؟؟!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *